الاثنين، مارس 13، 2017

لماذا الاهتمام بقضايا نظرية في أجواء ملتهبة؟

دراسة عن المسألتين الديموقراطية والعلمانية
لماذا الاهتمام بقضايا نظرية في أجواء ملتهبة؟

- تقديم الملف: لماذا الاهتمام بقضايا نظرية في أجواء ملتهبة؟
- أولاً: الحرية والديموقراطية مفهومان متكاملان ومتلازمان
- ثانياً: المسألة الديموقراطية في منظور الحركات الإسلامية.
- ثالثاً: الديموقراطية وتلازمها مع العلمانية.
- رابعاً: المفهوم العلماني في منظور الحركات الإسلامية.
-خامساً: مفهوما الديموقراطية والعلمانية في منظور الدول العظمى.
- سادساً: المسألة العلمانية من وجهة نظر قومية.
- سابعاً: مفهوم الحرية والديموقراطية عند الأحزاب العقيدية
- ثامناً: لكي لا يكون مبدأ نفِّذ ثم ناقش مقبرة لإبداع المفكرين.
في 14/ 3/ 2017          حسن خليل غريب 


تقديم الملف:
لماذا الاهتمام بقضايا نظرية في أجواء ملتهبة؟
في جلسة حوارية مع بعض الأصدقاء الغارقين في هموم الأمة العربية، أثارت فكرتي بأن نقوم بتسليط الضوء على قضية الحرية والديموقراطية. فسأل بعضهم عن جدوى التنظير في أجواء الأمة الملتهبة، بل ألحَّ على أن نوفِّر الوقت بالبحث الميداني لما يجري على مساحة الوطن العربي وإصدار مواقف منها.
وردَّ البعض بأن البحث الميداني هو عمل صحفي يجب أن يستند إلى أخبار موثوقة، ولكننا لو تابعنا كل وسائل الإعلام لما وجدنا ما هو موثوق لكي يؤسس لمواقف رصينة، فالإعلام موجَّه من قبل من يستطيع توفير نفقاته، وهؤلاء بدورهم يصوغون الخبر بما يتوافق مع مصالحهم.
ومن لديه الإمكانيات لتأسيس وسائل الإعلام وتغطية نفقاتها الكبيرة، لا تهمه مصداقية الخبر. فهو إذا لم يبتكره بما يتناسب مع أهدافه، فيضعه بالصيغة التي تخدم تلك الأهداف، لا بل يعمل على تشويه الأخبار الحقيقية ويُعتِّم عليها. ومن هنا تكون مهمة الأقلام الملتزمة بقضايا الأمة القيام بغربلة الأخبار من شتى المصادر والمنابع قبل الاستناد إليها في صياغة الموقف.
ومن أجل إنجاح مهمة الغربلة، لا بُدَّ من أن يستند المغربلون إلى أسس نظرية تكون وحدها الوسيلة الأساسية في تصويِب اتجاهات الموقف. ولذا يترتب على من يتصدَّى لمشاكل الوطن العربي الراهنة من أن يكتسب خبرة نظرية في شتى مجالات الفكر خاصة ذات العلاقة بالأحداث الساخنة. وخلص إلى القول بأن الموقف السياسي بحاجة دائمة إلى عمق فكري نظري. وحاجتنا إلى امتلاك هذا الفكر يوجب علينا أن نقوم بالتنظير في أجواء ملتهبة لوضع أسس ومفاهيم ثورية تعبِّر عن القضايا التي تتم معالجتها، وبالتالي فإن الغوص في الأعماق النظرية لمن يقبعون في الخنادق حاجة وضرورة، كما أنه ليس ترفاً فكرياً لمن هم بعيدون عن الخنادق الساخنة.
وبدوري قمت بالمداخلة التالية: بعد احتلال العراق في العام 2003، استأنفت الكتابة عن قضية العراق قبل الاحتلال، بمقالات عنها بعد الاحتلال. وبالإضافة إلى المقالات والأبحاث التي نشرتها قبل نهاية العام 2003، فقد أعددت خطة لصياغة بحث بحجم كتاب، وباشرت في تأليفه وأنجزته قبل مرور أربعة أشهر على الاحتلال.
في حينه، وقبل نشره، نصحني أحد الأصدقاء أن أقلع عن فكرة النشر لأن الوضع كان ما زال غامضاً في ظل غياب الأخبار، أو قلَّتها وخاصة من القيادة الحزبية. وكذلك إصدار مقالات بهذا الشكل المبكِّر سيكون مشوباً بالأخطاء. وسألني بعد ذلك قائلاً: ألا تعتقد أن ما تقوم به هو ترف فكري لأنه مبني على الحدس النظري فقط وبعض الأخبار القليلة؟
فأجبته إن ما أمتلكه من أبعاد نظرية حول حزب البعث، بالإضافة إلى ما كنت أطلِّع عليه من معلومات على قلتها، سيشكلان حصانة لي من الوقوع بأخطاء استراتيجية. ولاحقاً بعد أن أخذت الأوضاع في العراق تميل نحو وضوح جزء من الصورة، راحت حقائق الوضع تؤكد على إصابة تحليلي في معظم جوانبه.
ولذلك تابعت مداخلتي في الجلسة الحوارية، قائلاً: إن وضع الإعلام المعادي، الهائل التشويه والتعتيم، بالإضافة إلى قلة مصادر الأخبار الموثوقة المتوفرة لدينا، وعجزنا عن امتلاك أي وسيلة إعلامية لكلفتها المادية العالية، يدفعنا إلى تحصين مواقفنا بالدلائل النظرية. وما نشرته سابقاً، وما سأقوم بنشره حالياً، يصب في مصلحة الثقافة القومية خاصة في المرحلة الراهنة التي تشتعل فيها النيران من كل حدب وصوب لتكون المفاهيم النظرية مقياساً تقاس عليه المواقف السياسية لتكون أقرب للموضوعية منها إلى المغامرة غير المحسوبة. وإذا كانت تلك هي أهداف البحث في مسائل نظرية، فهي لن تصبَّ على الإطلاق في دائرة الترف الفكري، التي أشار إليها بعضكم الآن، والتي سبقكم إليها آخرون عندما واجهوا بها ما قمت بإنتاجه في الأشهر الأولى بعد احتلال العراق.
واستطردت بالمداخلة متسائلاً: وهل كل الذين سبقونا في وضع أهم النظريات، التي ما زلنا ننهل من معينها منذ آلاف السنين، قد صاغها واضعوها في أجواء هادئة؟ أم أنهم وضعوها في أجواء ساخنة وملتهبة؟ وهل كانت تلك النظريات وليدة حالة من استرخاء مرَّ بها المفكرون القدامى والجدد، أم أنها وُضعت بناء لحاجة المجتمعات التي كانت تصارع الظلم والاستغلال والجهل؟
لقد وضع أرسطو وسقراط وإفلاطون نظرياتهم وهم يعانون من حالة صراع بين المفاهيم القديمة والحديثة. وهل دفع سقراط حياته لأنه كان يمارس ترفاً فكرياً؟ أم أنه كان يصارع تيارات التخلف والصنمية في مواجهة الكهنة؟
وهل وضع من وضع نظرياته من الفلاسفة العرب منذ أكثر من ألف سنة إلاَّ في أجواء ملتهبة من الصراع الطائفي الذي كان يقف من ورائه لفيف ممن يعتقدون أنهم حراس للشريعة؟ وهل ننسى ما دفعه المفكرون العرب في ذلك الزمن من أثمان باهظة في مواجهة أولئك الحراس؟ وهل ننسى أنه منذ حُكم على كتب ابن رشد بالحرق، أقفلت بوابات العقل التي ما نزال ندفع أثمانها حتى الآن؟
وهل وضع من وضع من فلاسفة الغرب نظرياتهم إلاَّ في أجواء سيادة محاكم التفتيش الرهيبة التي كان قضاتها ممن يعتبرون أنفسهم حاكمين باسم القدرة الإلهية؟
وهل... وهل....؟
وأنهيت المداخلة عن ضرورة الكلام عن نظريات الحرية والديموقراطية قائلاً:
إن هذين المبدأين تخاض اليوم باسم تصديرهما أقسى أنواع التنكيل بشعبنا العربي.
إن أقسى الخلافات التي تخاض بين الدول الكبرى والصغرى سببها أن كل دولة تعتبر أن حدود الحرية والديموقراطية تقف عند حدود حريتها الفالتة من أي قيد أو شرط.
وإن أقسى الصراعات اليوم بين الشعوب والأنظمة تدور رحاها على قواعد حق الشعوب بالحرية والديموقراطية.
وهل ندفن رأسنا في رمال الخلافات داخل الأحزاب اليسارية نفسها بسبب تسلط البعض واجتهاداتهم الخاصة في وضع حدود للحرية والديموقراطية والعمل على تقييدهما؟


ليست هناك تعليقات: